الجمعة، 16 يناير 2015

قصَّة:"رياح الشتاء".

أشعر ببرودة الرِّياح القادمة من جهةٍ لا أعرفها، تحطِّمُ عظامي. كم هي قاسية، ترتطم بكُلِّ الأشخاص والأشياء، ولا تعرف إذا كانوا يستحِقون ذلكَ أم لا، كم أودُّ أن ألعنهَا أو أشتمها، ولكن سبَّها مُحرَّم؛ هذا شيءٌ تعلمته  من عامي السَّادس بالمدرسة، العام الذي طردتني منه المرأة التي كانت تعني كُلَّ شيء بالنسبة لي، المرأة التي التقطتني من الشارع في أحد الأيام؛ مشفقةً علي، المرأة التي كانت تمثِّل لي الأم والأب، بعدما تخلَّى عنِّي الجميع. 
طردتني من منزلها من دون أي سبب، كنتُ وقتها أجهِّزُ  قائمةً بالأشياء التي أريد فعلها بالإجازة الصيفيك، فتحَت باب الغرفة، التي "كانت" غرفة نومي، وصرخت قائلة:" اخرجي الآن، الآن!" لم أعرف ماذا أفعل، شعرتُ بأنني غيرُ قادرَةٍ على الحركة، تجمَّدتُ بمكاني، كنتُ خائفةً ومصدومةً، لمَّا رأتني هكذا اقتربت منِّي ومسكتني من قميصي وشدَّتني حتى باب المنزل الخارجي، لم أصرخ أو أبكي أو أفعل أي شيء، ثمَّ فتحَت الباب ودفعتني خارجًا، قالت:" لا أحتاجك الآن، لقد أخذت ما أردته منك، اغربي عن وجهي، لا أريد أن أراك مرةً أخرى". 
لم أعرف ماذا أفعل، جلست أمام الباب لدقائق معدودة، تراودني ملايين الاسئلة:"أين ستذهبين؟ أين ستسكنين؟ أين ستنامين؟ كيف ستأكلين؟ ماذا ستفعلين؟" والكثير غيرها. 
مشيت ببطء، لا أعرف إلى أين أذهب، بدأتُ بالبكاءِ بشدَّة، شعرتُ بأن بعد كل هذه السَّنوات من الأمان، أن الدُّنيا قد انقلبت علي، بدأتُ بالركض، لم أعلم إلى أين، ولكن كل ما أردته هو أن أبتعد عن هذا المكان ، عن هذا الحي والشارع والبيت، بيتي بيتي!
وقفتُ، عندما شعرت بالتَّعب، ثم جلست بجانب مخبز؛ كان يقع على شارع لم أزرهُ من قبل أو أسمعُ عنه. ظللت جالسةً أفكِّر بكل شيء، كيف ولماذا؟ ماذا فعلت لأستحقَّ كل هذا؟ كانت الشمسُ على وشك الغروب، ظننت بأنها ستقوم بالبحث عنِّي، ولكنها  لم تفعل. 
وها أنا، منذ تلك الليلة وأنا جالسةٌ هنا، وقد مضت مدَّةٌ طويلة على إقامتي هنا بين الكثير من الفتيان والفتيات الذين يعانون مثلي. 
كلَّ أسبوع يأتي مالك المخبز، ويحضر أرغفةً من الخبز ويعطيها لي وللفتيات الأخريات، ولا يعطينا اياه ويذهب بل يختار فتاةً مختلفةً كل مرة، ويذهب معها إلى الزقاق الضيق بعيدا عن أعين الناس، ويفعل أشياء فظيعةً معها. كم نود أن نرفض ولكن سنموت جوعًا، ففعله بنا هذا يعتبر مقابلا على أرغفة الخبز التي نتقاسمها مع الفتيان الآخرين. 
كل ما مرَّ شخصٌ بنا، أرى  الشَّفقة في عينيه، كم أود أن تعود هي وأرى هذه الشَّفقة في عينيها هي. في يومٍ من الأيَّام، أتت! لم أصدِّق عيناي، مرَّت من أمامي، نظرت إلي، يا ترى هل عرفتني؟ هل ميَّزتني أم أن ملامح الفقر غطَّت وجهي ؟ قفزت ومسكتها، فدفعتني عنها، وقالت:" ما زلتِ كما أنتِ، بلا كرامة" يالله، هل حقًا أنا بلا كرامة؟ أنا فقط أريد مأوى يأويني! 
كم أشعر بالتعب والبرد، الشتاء قادم، ولذلك أحتفظ بقليلٍ من الخبز لأجمع القطط حولي، وأحتضنهم، قد يظنُّون أنني أدفئهم، ولكن لا أنا أفعل ذلك لأدفئ نفسي. لا ننام ليلًا إلا ساعاتٍ قليلة لأن أشعة الشمس تتسلَّط على أعينني وتوقظني لمواجهة يومٍ آخر على هذا الحال. 
رغمًا عن التعب والفقر والجوع العطش الَّ اننا ما زلنا صامدين، نلعب ونضحك ونرقص، على هذا الشَّارع، الذي يعني لنا الوطن والمنفى، الذي يعني لنا كل شيء ولا شيء!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق