الأحد، 26 أبريل 2015

جوانب

خرج منير من بيته، مستعدًا لممارسة أعماله، حاملًا  سلةً مليئةً بالألوان  ووجهًا ممتلئًا ولامعًا. يبتسم لنفسه إذا رأى انعكاسه  على أحد النهرين الموجودان على جانبي الطريق. لا، ليس نرجسيًا يحب نفسه لأنه كان يبتسم لجميع الأشياء. يظن أن كل شيء سهل وأن لا شيء يهم إذا كان خارج حدود المنزل الذي يسكنه هو و عائلته منذ زمنٍ ليس بطويل. لا يحزن إلا إذا  أكل كثيرًا أو نام أقل من ١٠ ساعاتٍ باليوم، أو لم يتقن شيئًا. لأنه لا يقبل إلا بالمثالية في زمن كثر به الخيبات. الحروب لا تنتهي، وكذلك آماله التي تصل إلى النجوم ولكن لا تعود إليه. ما زال يمشي، حتى أضل الطريق و وصل إلى أرضٍ رمادية حفرت بها الكثير من الحفر، حاول أن يمشي بحذر، ولكن قامته لم تساعده؛ فسقط في واحدةٍ من الحفر. كان للحفرة رائحة نتنة لطالما استعاذ الله منها، ظن أنها فارغة، حتى وجد ذلك الكائن الغريب ينظر إليه، ثم أطلق صوتًا وبدأ الكلام:" أنا كائن لديه صوت، وظن أنه فقده.لا يهم ذلك، لا أريد أن أعرف من أنت، لأن مظهرك لا يريحني وأنا متأكدٌ من أنك تظن بالشيء نفسه تجاهي. سأبدأ بالكلام، أريدك أن تسمعني، و أن أسمع صوتك معترضا ومتفاجئًا مما ستسمعه؛ فلقد مللت من التذمر للورق الذي تراكمت عليه الكلمات حتى أصبحت غير قابلة للقراءة.
سأبدأ الآن، استمع".
لم يقم منير بأي حركةٍ تجاه ما سمعه اأو رآه حتى الآن. كان يتوقع بأنه سيتأذى قليلًا من سقوطه ثم يتسلق ليخرج ولكن حصل ما هو عكس ذلك تمامًا، فلقد وجد شخصًا يدعى بالـ"كائن" ويريد أن يبدأ بسرد حكايته. نظر إليه "الكائن" وأمره بأن يقرأ الأوامر الموجودة على جدران الحفرة بصوتٍ لا يسمعه إلا هو. بدأ منير بالقراءة، كانت الأوامر على الشكل التالي:
لا تبني ما ستهدم.
لا تكتب ما سيُنسى.
لا تقل ما ستخالف.
وعندما انتهى من قراءتها قال له الكائن:"حسنًا هذا جيد. آمل أنك استفدت منهم، لا يهم" ثم حرَّك يديه قليلًا ثم بدأ بسرد قصته:"لقد لبِست روحي التي ستترك جسدي وقت الهلاك وتحلق عاليًا، قناعًا لا يناسب الغابة التي أرتديتا ولا الصوت الذي أمتلكه ولا ما أُعطيت. وطلب مني أن أتعايش مع هذا الوضع حتى أنتهي، ومتى سأنتهي؟
حاولت أن أعيش هكذا بشكلين أحدهما ظاهر والآخر أُخفيه. كنتُ أتقلَّب طويلًا  وأصوم لأسابيع وأعصي لأيام ثم أعود لله. لم أكن ثابتًا على الطريق. ما إن خرجتُ وابتعدتُ وسمعتُ ما سمعته منهم، شعرت بالخوف والقلق عليهم، وأنا بعد لم أبتعد كثيرًا. تركت كل شيء فلن يقبلني أحدٌ بما أُخفيه، هل تدرك معنى أن أتعايش أو أُشفى؟
ما إن تنغمس أصابعي في الأرض الرمادية حتى ابدأ الحفر بشكلٍ جنوني و لا أستطيع التوقف، هل ترى كل هذه الحُفر التي تغطي الأرض الموجودة أعلانا؟ أنا الذي حفرتها بيدي، و وعدت نفسي أن الحفرة التي أسكنها الآن ستذكرني بفداحة ما فعلت، وأن لا شيء سيحدث مجددًا وأعيش بسلام مع جانبي الذي لا يتقبله أحد، حتى أنا".
أُذهل منير من القصة، لم يستطع أن يتخيل أن هناك تلك الكمية من الحزن والمرض موجودةً بقلب  شخصٍ واحد. ثم رد عليه:"يا صديقي، ما كل هذا الحزن؟  الحياة مليئةٌ بكل ما هو جميل و السعادة لتعتري الجميع.
كل شيء سهل، فأنا ليست لدي أي مشاكل، غارقٌ بالنعم، وأحزاني تافهة لا تُذكر عند أحزانك".
ولكن كلاهما كانا كاذبان. فلا حياة مغمورة بالسعادة دون سوء وشقاء ونكد. الوجه الممتلئ والابتسامة ليستا كافيتين للمواجهة. والحزن سيفتت من يغرق فيه ويتملك منه. كلاهما ابتلاء، ولا كمال من دون أحدهما الآخر.
أنا من أقول هذا. أنا القمر جامع الأضداد.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق