الخميس، 29 أكتوبر 2015

َيا الله

ها أنا أكتب مجدداً علي أسطرٍ مقامةٍ في الهواءِ، بصوتٍ خافتٍ لا يُسمع. يا الله، أريد أن أخبرك بكل شيء، و أنا مؤمن بأنك تعلمه حتى لو بقي مكتوماً في صدري.
نتجمَّع سوياً وسط الغرفة، و تتلا علينا آياتك من قبل عمي الأعمى الذي لا يطمئنه شيء كقراءة كتابك. أنا، و إخوتي الثلاثة اللاتي يكاد الخوف أن يقتلهن. كانوا سابقاً يركضون وقت الربيع بجانبِ الطرق السريعةِ دون خوف؛ كانوا أطفالاً لم يدخل "الخوف" بعد في قاموسهم، أو يغلب شجاعتهم و فضولهم. أما الآن لا يعرفون إلا الخوف، هذا الاختناق، و عدم الشعور بالأمان الذي يدفعهم للهرب.
"لا تخافوا، من كان حُب الله في قلبهِ ، و اسمه مردَّد على مسامعه، لا يعرف الخوف و لا يذوق مرارة طعمه." يقول لهم أبي ذلك؛ فيتوقفون عن النظر يميناً و  يساراً؛ ترقباً لشيء قد يحدث. تغلبهم الراحة؛ فتُغلق جفونهم المتعبة، ثم يناموا.
خسرنا أمي التي اقترحت أتى الدهَّان من المدينةِ كي يدهن جدران البيت، أن يكتب على أحد الجدران "لا إله إلا الله مخلصين له الدين." كان هذا الذكر يقلب الليالي المظلمة عليها وقت القصف إلى أوقات مطمئنة. ماتت و هي تسقي أشجار الحديقة كانت تؤمن بأنه يجب المحافظة على كل شيء، و أن لا يُهملك؛ فلكل شيء قيمته مهما صغرت أو بدت بلا أهمية. لكن، فاجأها جندي من خلفي، و أمرها بأن لا تُصدر أي صوت، و لكن الخوف سير عليها؛ فلم تسكت، و صرخت صرخةً وصلت لحدود كل النائمين الذين لن يستيقظوا و إن زاد الصراخ، وجفَّ الريق.
لا أحد مستيقظ الآن غيري أنا و عمي. لا أعرف متى ينام؛ فعيناه مغلقتان دائماً. لا أدري إذا كان يحلم أثناء يقظته، أو يتلو الآيات أثناء نومه.  أبي، بحضنه إخوتي الثلاثة نائمات. توقف القصف الأخير قبل ساعتين. كان أبي يشعر إخوتي بالراحة، و حان الآن وقت راحته. أما أمي ترقد جثتها الآن في قبرها، و روحها تحلق عالياً، أسألك يا الله أن تجعلها من المنعَّمين.
أما أنا يا الله، يا عظيم يا قدوس، يا واحد يا أحد، كفرت بك يوماً، و لا أعلم لمذا ترتسم على شفتي ابتسامة الآن، هل هي بسببِ شعوري بالغباء من تصرفي؟ أم بسبب الضحك الذي ينتهي بالبكاءِ؟ زيَّنت لي نفسي عملي هذا. كانت الكربات تمر بنا الواحدة تلو الأخرى، و عظم تأثيرها بعد فقدان حياتي؛ بعد فقدان أمي. سرت نحو الضلال، و اتبعت الاتجاهات كالأعمى الذي كان يبحث عن النور في مكانٍ ما. لم أعلم بأن الطريق الذي عبرت منه ازداد ألماَ و ضيقاً، و لكن لم أعد، و استمسكت بشكوكي و أوهامي، و زيِّن لي الكبر و الثبات على موقفي. حتى هديتني إلى صراطك المستقيم الذي لا تتفرَّع منه أي طرق للضلالة.
سامحني يا الله، يا ودود يا عفو؛ فأنا ضعيف لا قوة لي، لم أفكر بأن مصير الهموم هذه جنات نعيم بعدها. زاد اختناقي؛ فلم ألجأ إليك، بل لجأت إلى ما هو أسوأ من الشياطين جميعاَ، لجأت إلى نفسي الأمارة، و التي أصبحت لوَّامة، و أطمع أن تكون مطمئنة عائدة إليك برحمتك.
ينير البدر، و النجوم تبدو قريبة هذا الغطااء أسود الموجود على وجه السماء. أعتقد بأن الساعة هي الواحدة صباحاً، و لن يطلقوا قذيقةَ أخرى إلا الساعة الرابعة و النصف لترويع عبادك عند انطلاقهم لأداء صلاة الفجر. سوف يخرج عمي معهم، و يجبرني أنا و أبي أن نخرج معه. لكننا -كالعادة- نخبره بالخطر الذي قد يحل بنا لو خرجنا. رده سوف يكون:"الشهادة مصلياً لله، و لا الموت في الخفاء، و في الظلمةِ مستنداً على جدار." و نخرج معه كل مرة.
لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين.
سامحني يا الله، و اعفو عن تقصيري، و عجزي، هب لي قوةً أدفع بها سوء نفسي عني، و ارزقني الصبر، و القدرة على الصمود؛ فكل هذا قد يهد الجبال من من قسوته! أنا كل شخص متأثر من هذه الحرب، و مدمر منها. قربني إليك و ارزقني حبك، يا حليم يا كريم؛ فلا شيء كوجودك معي يهزم الهموم بالأمل الذي سوف يقود كل المدافعين إلى النصر المبين، و الاطمئنان الذي لا يزول، و لا يعود كل شيء كما كان، إخوتي في خضرة الربيع، و ابتسماة عمي و أبي في ساحات المساجد، و معهم جميع من يعرفون.
اللهم ثباتاً، و اتباعاً لأمرك، و حرية، و نصراً عاجلاً؛ فلقد اشتقنا لطيران أسراب الطيور باطمئنان، و ابتسام الأمهات و تصفيقهم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق