الخميس، 24 مارس 2016

خواء

يحمل الخواء الأجساد الهزيلة بيديه الشفافة، يشعرون بها وهو يحملهم لكن عجزهم عن رؤيتها يجعلهم أول ضحاياه. يحاولون إدخال أصابعهم بها، لكن شيئاً صلباً يجعلهم يسحبون أصابعهم مباشرة بقليلٍ من الألم. يُعرف الخواء، ذلك الفراغ الثقيل الحاجز  بين المرء ونفسه، بين المرء وجميع ما يرغب فيه، بمباغتته. لا يعطي فرصة أحداً فرصة بالاستجابة الطبيعة والرد عليه، لا يدرك المرء أنه أحط بأجنحته الباردة عليه إلا بعد فوات الأوان. يمسك بضحاياه، يحلِّق بهم عالياً، يخترق البرد أجسادهم، يستمتعون قليلاً بهذا الشعور الغريب المفاجئ، ويظنون أنه بداية إلهام، شيء سماوي يربطهم بالسماء، إلا أن هذا الشعور سيتوقف قريباً بعد أن يمسك كل واحد منهم ويفرِّغ ما بجوفه بإصبعه الثقيل كما يحصل بلبِّ الفاكهة. 
 يستطيعون رؤية من حولهم بشكل جيد، لكن أصواتهم لا تصلهم، يشعرون ببرد العالم بأجمعه، صوت الهواء واضح عندما يرتطم بشيء داخل جسدهم، لحظات هادئة تمر ببطء وهم على تلك الحالة، محدِّقين بالبعيد، محاولين اكتشاف ما خلف الحدود هذا ما يتركه لهم بعد أن ينتهي. يزاد الأمر غرابة، لا يصبح شيء واضح كالسماء. الآفاق الممتدة تختفي فجأة، والرؤية محدودة جداً، والرغبة في بقاء السكون واللاوعي القاتل. ما أن يدرك شخص ما يحصل، ويحاول الاستيقاظ، ونفض هذا الرداء عن جسده، بتذكيره ببعض الأشياء عن نفسه، كأنه يعرفها للمرة الأولى، لكن الأمر ليس بهذه السهولة، لن يُفلت المرء من قبضة ذلك الشعور إلا باختناق عارم. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق