الجمعة، 15 مارس 2019

جُمعة

يعلم تمامًا ما سيراه حينما يدخل بقدمه اليمنى داعيًا الله بأن يفتح له أبواب رحمته: ظهورًا مقوسة تهم بالركوع، وأخرى تحاول أن تستقيم بينما يبعد أصحابها عنهم النعاس المفاجئ. لا شيء يستدعي الدهشة. كل شيء يتم كالمعتاد. سيصلي ركعتين، وسيلقي نظرة خاطفة على الجميع مميزًا بعض الوجوه، وجاهلًا بأسماء معظمها، وسيقرأ سورة الكهف آملًا أن ينهيها قبل أن يقف المؤذن للأذان. لا شيء يستدعي الدهشة. كل شيء يتم كالمعتاد. يمكنه أن يتنبأ بموضوع الخطبة من الآن. سيدخل المؤذن ويسلم على الجميع. ما أن يفعل ذلك، يقف الجميع فجأة ويبدأوا بالتحرك نحو الأرفف لإرجاع مصاحفهم. حينما يفعل ذلك، عادة ما يطلب منه بعض الأشخاص أن يعيد مصاحفهم كذلك. لا شيء يستدعي الدهشة. كل شي يتم كالمعتاد. ما أن ينتهي المؤذن من الأذان، يهمهم الجميع بنفس الدعاء، ثم يبدأ الخطيب خطبته التي ستكون إما عن تقوى الله أو سيرة نبيه. ما أن يلفظ الكلمات الأولى، حتى يغشاه نعاس لا يعرف مصدره، وسيحاول جاهدًا أن يركز. لا شيء يستدعي الدهشة. كل شي يتم كالمعتاد. يغير وضعية جلوسه عدة مرات أثناء الخطبة، ويلقي نظرة خاطفة مرة أخرى على الموجودين، وستكون إما متأملة بالفراغ أو شديدة التركيز، تتبع كلمات الخطيب حرفًا حرفًا. لا شيء يستدعي الدهشة. كل شي يتم كالمعتاد. يستغفر ما أن يعلن الخطيب إنتهاء الخطبة الأولى، ويبدأ بتتبع همهمهات من حوله. يرفع يديه داعيًا رغم عدم تأكده من جواز الدعاء بين الخطبتين. غالبًا ستكون الخطبة الثانية عبارة عن الدعاء المعتاد. لا شيء يستدعي الدهشة. كل شي يتم كالمعتاد. يكمل الخطيب، وبالفعل نفس الدعاء يتكرر. بعد كل جملة ينطقها، يجد أن "آمين" تخرج كالتنهيدة من جسده. بالقرب من نهاية الخطبة، وبعد إطالة الخطيب بالدعاء للحاكم، تبدأ قائمة الدول والقضايا المعتادة، وتخرج آمين بنفس التعب والإهاق." اللهم أغث إخواننا في سوريا". آمين. "وفي اليمن". آمين. "وفي فلسطين". آمين. "وفي العراق". آمين. "وفي بورما". آمين. تزداد الدول والقضايا في كل خطبة، وكل ما سيفعله هو تأمل عجزه وترديد آمين. لا شيء يستدعي الدهشة. كل شي يتم كالمعتاد. سيطلب الخطيب - بعد أن يدعو بأن يرحم الله هذا الجمع ويحفظه - أن يقيم المؤذن الصلاة، ثم يقف كالجميع مستعدًا للصلاة. لا شيء يستدعي الدهشة حتى يسمع أصواتًا من الخارج لم يسمعها من قبل إلا عن التقارير التي تفصل القضايا التي يكرر آمين لها كل جمعة. لا شيء يستدعي الدهشة حتى تسقط الأجساد أمام عينيه، ولا يملك شيئًا إلا أن يركض مبتعدًا مدركًا بأنه جسده سينضم للبقية قريبًا. لا شيء يستدعي الدهشة حتى يعرف الجميع عما حدث، ويرون صورته دون تذكر اسمه، ولا يستطيعون إلا قول آمين للأدعية التي ستكتب له. لا شيء يتم كالمعتاد.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق