الجمعة، 16 يناير 2015

قصة:"انتظار العدم".

في ليلةٍ من ليالي الشتاء الباردة، خرجت فتاة من بيتها تركض؛ كانت تركض غير خائفة من أي شيء، إلى وسط الغابة، غير مبالية بالظلام والذئاب، كانت تردِّدْ:"انهُ قادم! انهُ قادم!" بصوتٍ متعب يملؤه الثقة، هذا هو الذي لطالما انتظرته رأته يتحقَّقُ أمامها. وصلت إلى وسط الغابة، حيث تقع البحيرة، ثم جلست على ضفَّتها وانتظرت.
أشرقت الشَّمس، ولم يأتي أحد، لم تهتم بهذا الأمر بالبداية لأن الانتظار لمدةٍ أطول لن يضرها أو يضر أحدًا.
أتى الرَّبيع، ثم الصيف، ولم يأتي أحد. بدأت تفقد الأمل، بدا الحلم الذي لطالما انتظرته لن يتحقَّقْ.  غربت الشَّمس، وبدأ الظَّلام يفرد جناحيه على المكان، ثم سمعت صوتًا؛ فرحت، ولكنها لم تستطع الكلام فكتبت قصيدةً على ضفَّة البحيرة لم تتبع بها القافية. أرادت فقط أن تكتب ما تشعر به.
كانت القصيدة:" تعال إلي
لا تخف
فأنا لن أوذيك
تعال إلي
وصر جزءًا مني
وتكلَّم بلغة جلدي،
الذي جفّ
وهو بانتظارك".
ولكنه لم يكن صوت أقزام شخصٍ آتٍ، بل كانت صوت الرِّياح. بدأت تذبل من اليوم الذي أشرق فيه الشَّمس ولم تجده؛ ذلك الشخص التي كانت تراه كل ليلة، وتبحث عنه كل نهار، الذي وعدها أن يأتي ولكنه لم يأتي. كتبت قصيدةً ثانية، لإن الإنتظار بدأ يصبح مملًا وبلا فائدة، كتبت لتتنفَّس، لتنسى.
كانت القصيدة:
"كل الكلمات التي قلتها
وكل الكلمات التي سأقولها
أنته هناك
بينهم
لم أبح بك
ولكن لم أنساك
أراك أينما ذهبت
أحاول نسيانك
ولكني أعلم اذا فعلت سأنسى نفسي
من أنت؟
لماذا لا يمكنني نسيانك؟
أنا أترجَّاك أخبرني!"
لم يعد للوجود قيمة بعد فقد الأمل، حان وقت ذهابها، لم تكن تنتظر إلَّا العدم، بدا الوقت الذي قضته بالانتظار بلا فائدة وضاع هباءً منثورًا. قامت، وهي تشعر ببعض الألم من الجلوس كل هذه الفترة، بانتظار الجزء أو الحلم الآخر.
قالت بصوتٍ عالٍ وهي تتَّجخ إلى وسط البحيرة:"كم كنت غبيةً لاعتقادي بأنك حقيقي وموجود ، كم كنت غبيةً لاعتقادي بأن الأحلام تتحقَّق!" تركت نفسها ولم تقاوم الغرق، بدت المياه صافية زرقاء ومتلألأة ، شعر بالاكتمال أخيرًا، مع الماء.
تركت وراءها الغابة ومن سكنها، البحيرة وضفَّتها، ظلمة الليل القمر والنجوم، الشمس وأشعتها، الرياح والأشجار، شهداءً على قصَّة انتظارها وخيبة أملها. كانوا شهداء أوفياء، لا يستطيعون الكلام.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق