الأحد، 5 أبريل 2015

سيِّدات وأشباه

خرجت من بين أشباهي الذين أوصتني بهم أمي، وأخبرتني بأنه لا يجدر بي الابتعاد عنهم. خرجت محملًا بالغضب والكثير من الكلمات غير اللازمة. عبرت الشوارع الطويلة محدقًا بالأعمدة والأعشاب الخضراء. حتى سحبتني سيدة الأرض، وقالت:" تدهسون علي، وسأختفي يومًا وأهرب وأترككم للفناء حتى تغرقون فيه!" كانت تبكي أزهارًا ومدن وأشجارًا قاسية. كانت مستلقية تحت البيوت والأقدام وتحت الفراغ الذي يفصل بينها وبين سيدة السماء. أخبرتني عن أنفاسي المتقطِّعة والثلج الثقيل الذي يتراكم على صدرها في فصل الشتاء، وعن أعضائها المنخفضة في جهة والمرتفعة في جهة أخرى، عن فصل البحار بينها وبين أجزائها السبعة، ثم قالت:"أنت تعرف الكثير ويا ليتك لا تعرف. خرجت إليك من تحت العراء لمعرفتي برغبتك التي تفصل بينك وبينهم". وما ان افلتتني حتى ركضت بعيدًا ناسيًا أنها موجودة تحت كل مكان وشيء.
وما ان توقفت لأرتاح حتى سحبتني سيدة السماء وضمت وجهي بيديها الباردتين وأخذتني ممن حولي وكستني بالسكون الأبدي. وما إن وصلت لزُرقتها بالنهار، حتى شكت لي قائلة:" أكتسي بهذه الأجسام التي تشبه القطن. مليئةٌ أنا بالنجوم والأسرار والألوان والمياه. ما ان تطلبوني القطرات التي أحتفظ بها بداخلي حتى أسقطها عليكم باكية، وبماذا تردون؟ باللعن والهروب!" وما إن بدأ لونها بالتغير حتى أظلمت، وبدأ ما بداخلها ينير، واستطعت أن أختفي عن أنظارها حتى غرقت داخل سيدة الفراغ.
قالت لي بصوت أميُّزه ولا أعرف من أين يخرج:" أنا حولك وأكسوك دائمًا، وبداخلك أحيانًا. أعرفك ولا تعرفني. لقد اجتزت حدودي الفاصلة؛ولذلك تستحق الهلاك. يا ليتك طلبت الموت عندما كنت صغيرًا، عندما لم تكن تعرف أي شيء عن أي شيء عدا الطعام والألعاب الخشبية. قد تكون هربت من أشباهك ومن السيدات الأخريات، ولكن مني؟ أنت تحلم! قد تحاول أن تنجو ولكن.." وما إن أتت أصوات البلابل تغرد من بعيد مقاطعةً كلامها، والصرخات الغاضبة التي تحررت من قيود الخضوع حتى مزَّقت كل شيء؛ البُعد وكل الحدود وحتى الأفخاخ الحديدية. وأتت الرياح محترقةً من البعيد بعد أن كُشفت هويتها. وزال ما كان يرتديه الغموض، ولكن تلاشى الجميع قبل أن يروا ما خلفه!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق