الجمعة، 16 أكتوبر 2015

إدراك

أمضى كل عمره بالهرب، و الركض. الركض خلف الرغيف، و الركض هرباً من الأعداء. لكن عندما وصل بعد كل هذا الهرب الذي لم يقوده إلى نقطة محددة، وجد نفسه في وسط ساحة المعركة، و الجميع حوله يتقاتلون، و الرصاص يطلق من كل جهة، و الصراخ يعلو و يعلو، و الجثث تسقط الواحدة تلو الأخرى. لم يعرف في هذه اللحظة من هو العدو الذي يجب القتال ضده، و من هم الذين يجب أن يساندهم. لم يعرف أي شيء؛ لتوقف كل شيء بجسده عن العمل إلا عينيه كانتا تتحركان دون توقف، و ترى ظله المحبوس على الحائط، دون أن تصدق ما كان يجري. كان كالشجرة لا يتزعزع. لم يكن يقاتل، و لم يستمع للأشخاص الذين يجرون من جانبه و يحاولون شدَّه معهم حتى ينجو. بقي هناك يتأمل. كم بدا كل شيء تافهاً. كم كان من المضحك و المؤلم كيف تحوَّول الإنسان إلى مدمرة تقتل إخوانها. أدرس أن ليس للنجاة معنى بين كل هؤلاء البشر. شعر بأنه ميت أصلاً دون الحاجة إلى رصاصة تخترق جسده أو تضرب عنقه. مدَّد  جسده على الأرض ببطء، و توقَّف عن سماع الصرخات، و أصوات الناس، و صوت طقطقة عظامه. بقي هناك كالجثة، رغم أنه لم يكن ميتاً؛ "فما فائدة الجسد إذا فقدت الروح الأمل؟" همس للأرض.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق