الثلاثاء، 19 أبريل 2016

أنا اثنان

  ينطبق طرف إصبعه على انعكاسه. ستبقى المرآة السطح الصافي الوحيد الذي سيذكره دوماً أنه نفسان تسكنان في جسدٍ واحد، وفي عراك أبدي. يهمس:"أنا اثنان" لا يعلم من المسيطر هنا، ولا لمن يكون له الخيار عند اتخاذ القرار، ولا المؤمن منهم الذي يسعى دائماً ويبني، ولا عبد الشهوة الراغب بالمتع الجسدية، ولا المسؤول عن تدفق مئة شعور وشعور في الساعة الواحدة، ولا الحاقد الذي تشتعل في عينيه النيران، ولا المحب المعطي دون تفكير. منذ الخلية الأولى من تكوينه، وحتى الجسد المكتمل، وجوفه ساحة معركة، تقام فيها الهدنات حيناً، وتشتعل الحروب بضراوة، ولا يضمن أي منهم النصر؛ لعدم وجوده؛ فما أن تُمارس الخطيئة، حتى يسرق الشعور بالذنب النوم منه، وما أن تمارس الفضيلة، ويعتقد بأن الحال سيستمر هكذا، حتى تمارس الخطيئة؛ فيُمحى ما قبلها. يجب على الأمر أن يتوقف، يجب على النفوس والعقول أن تهدأ مهما بلغ عددها؛ فالعقل يكاد أن ينفجر من كثرة الطرق التي يجب أن تُتبع، والقلوب تكاد أن تُقتلع من أماكنها وتسقط من الخوف الأبدي اتجاه ما يوجد في نهاية كل طريق. 
يخرج بكامل وعيه لأول مرة من بين أعاصير الأفكار التي تنشأ فجأة وترفعه عالياً ثم تبصقه وتختفي في الآفاق. ينطر إلى جسده. يكره جسده غالباً، ولكن أحياناً يحبه لدرجة أن يعانق نفسه، ويحاول أن يرى كل جزء منه، وينبهر كل مرة كأنه يكتشفه لأول مرة. يقوم من أمام المرآة، ويقول:”أنا اثنان"يجب أن تختلط وحدتي بجموع الناس حتى أنشغل بهم عن نفسي، واللعنة عليهم مهما بلغ عددهم.“ لكن الأمر لا ينجح دائماً، تبدو العلاقة بين وحدته والانغماس بتجمعات الناس طرديةً؛ فكلما ازداد العدد شعر بأن الجزء الذي يربطهم به يتشقق ويعيده إلى صراعه بين جانبين لا يخضعان أبداً. لا ينفع إلا تطهير الجسد وتحرير الأنفس، وطردها؛  لتمارس اضطراباتها بعيداً. يجب نزع الجلد عن العظم ببطء شديد، وتفكيك العظام المتآكلة، ونزع الأعضاء عضواً عضواً، والمسح عليهم برفق؛ فلقد عانوا الكثير من تفكيرٍ وترقبٍ وعملٍ مستمرٍ. ورميهم جميعاً على سطح الماء، وسيطفوا بعضهم، وتخترقهم أشعة الشمس، ولن يشعروا بأي شيء. ستذكر أي نفس منهما حينها أنها قد عاشت هذا الجسد الهزيل، وحتى ذلك الحين، سيبقى عالقاً هنا، حالماً بالنجاة، خائفاً من القيام بالخطوة الأولى. 

هناك تعليق واحد:

  1. ، في هذه السطور القليلة ، ذهب عقلي ، وانا في صدمة ، وكأن أحدًا جاء ورمى سائل من الألوان علي ، لا أريد الإكثار في المدح ، فقط أوّد أن أقول بصدقٍ عارٍ من المجاملة ، أن هذه سطور رائعة ، نسُجت من عقلٍ مبدع جعلي ألهث لمزيد من الإبداع .

    ردحذف