الجمعة، 20 يناير 2017

هَجَرَ

اليوم يصادف السنة العاشرة على وجودي في المهجر، في المنفى. أن أرسم دائرة حول هذا التاريخ على كل تقويم سنوي منذ مغادرتي أمر غريب، أليس كذلك؟ ذكريات يوم رحيلي حية الآن، وتتراقص أمامي. 
 في اليوم الذي غادرت فيه كرهاً أو طوعاً -ما زلت غير متأكدٍ تماماً- خرجت وبدأت بالتجول في كل شارع. أردت أن أفتح ذاكرتي كمرطبان زجاجي عملاق، وأن أحمل داخله كل ما يقع نظري عليه. كانت الأشياء تنظر لي بشكل مختلف، كل الأشياء بلا استثناء. الشجرة العملاقة و القطط التي ترقد أسفلها وقت الظهيرة، بقالة أبو مازن والزبائن المتدافعين أمام بابها الضيق، مخبز علي الذي يجتمع عنده العشرات كل ليلة بلهجاتهم المختلفة لخبزه الفريد، معمل عامر للنجارة والأخشاب التي ترقد منهكةً أمامه، أكوام القماش الملون بجانب حامد الخياط، أبواب البيوت المهجورة والأعشاب التي نمت داخل أقفالها، الشوارع غير المستوية، الغيوم التي تلتصق جنباً إلى جنب كالقطن، والرياح التي تستطيع أن تنفذ داخلي، جميعهم يغنون أنشودة الرحيل لي بعتب. 
تركتهم مترنحاً من ثقل رأسي ومن كثرة المشاهد التي تتكرر باستمرار داخله. لم تكن الحقيبة ثقيلة؛ فقد حملت سابقاً زاداً سيكفيني. حتى موظف الجوازات، الرجل التعيس الذي يختم بضراوة عليها، لسبب ما كانت نظرته حنونة. 
”أبقى؟ أرحل؟“ تكررت الأسئلة، لكن كان لا بد من المضي، المضي دون التفات. ألقيت أثناء إقلاع الطيارة نظرة أخيرة على مدينتي، المدينة التي قبرت أحلامي وما زالت تحمل داخل أحشائها جزءاً مني. 

أرجعت رأسي للخلف، ثم نمت. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق