الاثنين، 3 أبريل 2017

نَهَمْ

- سآكل كتابًا أو اثنين. لست متأكدة حتى الآن.
قالتها ثم اتجهت إلى غرفة النوم، حيث تستند على أحد جدرانها عدة رفوف تتراكم عليها كتب متنوعة ذات ألوان وأحجام متباينة، تفرق بين مجموعة والأخرى تذكار ابتاعه أحدهما خلال إجازة معينة. وقف مشدوهًا للحظات وهو يتخيلها تتوقف أمام الكتب، وتناولها الواحد تلو الآخر. ضحك لانغماسه بالتفكير بأمر بهذه السخافة؛ فرغم جنون زوجته التي أحبها من أجله، وأمنيتها الوحيدة عندما كانت طفلة بحفظ كل المعلومات داخل رأسها، ولكن دماغها في ذلك الوقت لم يستوعب كيف يمكن للمعلومات أن تنتقل من معدتها إلى دماغها. أكمل إعداد القهوة التي كان يحضرها؛ إنه "فن" كما يعتقد، ولطالما أجاده.
توقع أن تعود في أي لحظة؛ فهما يشربان القهوة بجانب النافذة كل صباح. أراد أن يناديها ولكن أجَّل هذا الأمر حتى أن ينتهي من إعدادها تمامًا.
ليلى؟
لم ترد. أعاد تكرار اسمها. لا توجد إجابة. مرة، مرتان. لا إجابة تكسر ريبة الصمت التي كست المكان. اتجه للغرفة، وكان الباب مغلقًا. فتحه بسرعة. وجدها هناك، جالسة أمام الرفوف تمضغ الورق ببطء. وقف لعدة لحظات ليدرك دماغه البسيط ما كان يحدث. كانت زوجته تأكل الكتب كما قالت، ولم تكن تبصق صفحاته التي اختلط بها لعابها بعد  مضغها، بل كانت تبتلعها ولا تبدي أي ألم أو رغبة بالتوقف. ناداها مرارًا ولكنها لم تجب. كان شيء ما يمنعها من الإجابة، أو يحول بينه وبينها. وجد نفسه ضعيفًا ولا يستطيع الاقتراب أكثر، لم تكن تأكل الكتاب تلو الآخر، بل بدأت أجزاء جسدها االمختلفة تضمحل تدريجيًا، وتتحول لشيء يشبه الأحرف المتشابكة التي تسقط تدريجيًا على الأرض، من أعلى رأسها إلى قدميها. وقف يراقب بينما بدأت المكونات المادية لجسدها تتحول لشكل غير مألوف، لأحرف تكون كلمات كالماء، نجمة، تراب، مجرة، شِعِر، غضب، قبح، حسد، أزرق، شك، ثقة، خوف، قلق، عشب، غيمة. شاهدها تختفي تدريجيًا، وتعود إلى الأصول التي نشأت منها؛ الكلمات التي زرعت فيها قبل وأثناء وبعد تكونها. 

هناك تعليق واحد:

  1. الله الله، لا تخف من توغلي الذي يبدو كاختراق ضاحية

    ردحذف