الثلاثاء، 22 أغسطس 2017

عشرة أعوام، أقنعة، وجلود

كان يبلغ مروان من العمر سبعة أعوام عندما اصطدم بالعالم لأول مرة. كان ماشيًا بجانب الحائط كما يفعل عادة عندما أحاط به ستة أولاد بنفس سنه. في تلك اللحظة امتلك عينين ضخمت من أمامه. بدأ زعيمهم بالكلام:"أنت فتاة، ويجب عليك معرفة ذلك." وبدأ البقية بتكرار نفس العبارة. علم تمامًا أن اسمه مروان، وهو ليس فتاة، أو هذا ما أخبرته به أمه على الأقل. بدأ بملاحظة تصرفات جمانة، جارته وصديقته المفضلة. لم يجد شيئًا مشتركًا إلا بعض الألعاب المفضلة، لكن بالطبع ليست الحلي التي تتزين بها، ولا الفستان الذي ترتديه كل نهاية أسبوع.  ظلت تلك العبارة تؤرقه، وعندما اجتمعوا مرة أخرى تجرأ أن يسأل:" لماذا؟" وكادت الإجابة أن تكسر أحد أضلاعه:"ألا تلاحظ حركة يديك؟ تعبيرات وجهك؟ من تقضي وقتك معه غالبًا؟ فتاة! فتاة!" بعدها أدرك وجود أدوار لم يخبره أحد عنها، أدوار تولد مع المرء وقت الكشف عن العضو الذي يحمله بين ساقيه، وأن السير عكسها يعني، في أكثر الظروف تطرفًا، العزل والهجر، أو حتى الموت. بعدها تعلم أيضًا كيفية ارتداء الأقنعة، وحياكة جلد لارتدائه لإرضاء من حوله، وجعل الأمور تسير كما هي عليه. كما تعلم أن النفاق، حتى تجاه نفسك، قد يكون هو الحل الوحيد للنجاة من العزلة؛ فالعزلة قاسية، والكذب على نفسك التي تبدأ بخسرانها بالتدريج قد يكون أمرًا بسيطًا مقارنة بها. كانت الأيام الأولى بالجلد الجديد طويلة وذات قوام هلامي. لم يستطع الكلام أو حتى التنفس عبر القناع إلا بصعوبة بالغة، لكن الطريقة التي بدأ جسده بالتصرف بها، وطريقة نطق الكلمات بدأ أثرها بالغًا على من حوله. جسده الذي اعتقد أنه ملك له، هيمن عليه مجتمع كامل. أصبح سابع الأولاد الستة، وتقرب منهم لدرجة أنه صار صديقًا مقربًا للزعيم.  في السنوات العشر القادمة، رغم أن نفسه التي عرفها يومًا ما بدأت تتلاشى، كان يسمع أنينها من حين لآخر، ولكنه يتجاهلها حتى يخرسها تمامًا. إنه يناسب الصورة الجماعية الآن لمجتمع مثالي، ليس خارج الإطار، ولا على عند زواياه، بل بالمكان الذي خلق -كما يعتقدون- من أجله. بدأ شيء ينمو عن كتفيه بعدما خفّ حمل المجتمع قليلاً: قلق. كتلة كل حرف من تلك الحروف الثلاثة تتزايد مع مرور الزمن. القلق من أن يكشف، رغم أن لا عار في هذا ولا حرام، لكنهم أجادوا سلب الشيء الوحيد الذي يستحقه كل شخص: أن يكون نفسه الحقيقية، دون أن يكون مدينًا لأحد باعتذار. بالخطأ نزع جزءا من الجلد، وتسرب الهواء إلى جلده الحقيقي، وأحس بحريق بجوفه. لسبب ما شعر لوهلة بأنه حر فجأة من كل القيود الذي خلفت علاماتها على جلده. لكن الشعور بالأمان مريح ومغري أكثر، ولا ثورة تبدأ أولًا ضد المرء نفسه جديرة بالانتباه.

مروان، ذو الأقنعة والجلود التي تتناسب مع الأمكنة والأزمنة التي عاشها، سيحلق طليقًا من كل تلك القيود، وسيصل نسيم الحرية إلى عظامه، ثم سيضرب بمعاييرهم عرض الحائط وهو يصرخ: جلدي لي. جسدي لي. الفناء لقيودكم!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق