الأربعاء، 13 سبتمبر 2017

آن للزمن أن يرتاح

بدأت الابتسامة التي ارتسمت على وجهه بالاختفاء تدريجيًا، وتوقف كل شيء للحظة ما أن أخبرته عن عمرها. بكل بساطة سألها عندما كانت تتحدث عن تجديد بطاقتها المدنية:"كم عمرك؟" وأجابته:"خمسون عامًا". يتذكر عندما سألها نفس السؤال قبل ١٠ سنوات، وأجابت:"أربعون عامًا"، حينها توقف عن إدراك أن عمر أمه أيضًا يزداد، بأن اليوم  الذي يوافق ولادتها سيأتي كل عام، وسيزيد عامًا على عمرها. لم يكن مدركًا لكل تلك البديهيات عندما تعلق الأمر بها. كيف للزمن أن يسلب حياة أمه منها هكذا؟  لم يلاحظ من قبل التجاعيد التي بدأت بالظهور حول عينيها، صمتها، تحديقها الدائم نحو الأفق، وقلة اكتراثها تدريجيًا بما يحيط بها. نصف قرنٍ لأمه، وها هو الآن يلاحظ آثار عقارب الساعة التي تتوسط غرفة المعيشة على ظهرها الذي فاجأته الدنيا برمي جميع همومها عليه. "لا يمكنني أن أسمح بهذا!" بعجز قالها، مندفعًا باعتقاده الإنساني الأحمق أنه قادر على كل شيء. "هذا لا يعقل! اسمع أيها الزمن، بأبعادك إن وجدت، بقوامك الذي لا أعرفه، بماهيتك التي لا أفهمها. اسمعني جيدًا. لا يمكنك فعل هذا! لا يمكن لأمي أن تشيخ. لا يمكن  للوهن أن يصيبها. لن أرضى بنشوء حدبة ظهرها، ببطء في مشيها، بتنهيدات لم تعد قادرة على إخفائها. تمدد، فقد آن وقت راحتك." توقف قليلًا، حدَّثته نفسه عن الله. لكن ارتعاشة يديه، والكلمات التي ترتطم ببعضها ما أن تخرج من فيه لسرعتها منعته من التوقف. "أستعيد ما مضى؟ هل يمكن هذا أصلًا؟  أين كنت؟ أين كان وعيي؟ لما لم ألاحظ إلا للتو؟ سلبت كل تلك الدقائق التي أمكنني أن أكون بقربها مني، أو أنا بالأحرى سمحت لك بهذا. تسربت من بين يدي كالماء من شبكة صيد!"
كانت تنظر إليه بخوف بينما يحدث اللاشيء، ويلاحق بيديه الضعيفتين ما طواه النسيان. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق