الجمعة، 29 سبتمبر 2017

إلهي- ماريَّا

تقف ماريَّا لتصلي أخيراً بعد شكوك دامت لسنوات. تلتفت جانباً؛ فترى الحجاب الذي اشتراه والدها لها، معلقاً بجانب الصليب الفضي الذي علقته أمها حول عنقها عندما بلغت السادسة عشرة. لا ترتدي أياً منهما، و تقف في صمت. لا تتبع اتجاهاً محدداً، تنظر إلى السقف، تغلق عينيها. وتتلو دعاءها الأول: 
”إلهي، لا أعرف صفة رفع يدي، أو بأي اسم أدعوك وأنا أناجيك. هل أرفعها عالياً، وأناديك "الله الواحد الأحد" كما يفعل أبي؟ أم أمرر كفي على كتفي وجبيني وصدري مشكلةً صليباً؟ أرجوك أخبرني، اهمس لي من سماواتك العلى؛ فأني أغرق في بحر عاتية أمواجه.
إلهي، اعتاد أبناء عمي أن ينادونني "آكلة الخنازير" و "المتكئة تحت الأصنام"، وأنا لم أضعه في فمي قط، ولا حتى أمي التي كانت تخاف الديدان الشعرية، إلا أنها تقف تحت رجلي تمثال المسيح وتبكي. كانوا ينظرون إلي بقرف، وكانت عمتي ترفض حضني أيام عيد الفطر والأضحى؛ لأن وجهي تكسوه ملامح أمي "النجسة". هربت أمي فرارًا بنفسها من كلامهم وتركتني مع أبي، لأنه ما زال يذكرها بأنها أخطأت حينما نسيت حبوب منع الحمل، وأن الإنجاب لم يكن ضمن مخططاته؛ فبالكاد تحملت عائلاتهم الزواج، فماذا عن وجود طفلة؟
إلهي، أنا غلطة. هل للغلطة ديانات؟ فررت إلى أمي بعد أن ضاق صدري، أربعة عشر عاماً في هذا الجحيم، بالشعور بالغربة بين من أحمل جزءًا منهم داخل كل خلية في جسدي. كانت تزورني أمي كل شهر، ولكن هذه المرة أردت أن أذهب معها إلا أن الأمر لم يختلف كثيراً. خرجت بحجابي، أرجع أطرافه على صدري كلما رمت به الرياح خلفي. عندما وصلت حيتني جدتي، التي رأيتها أربعة عشر مرة فقط، بخلعه عني وصرخت:"جعلوك نسخة منهم!" حاولت أن أبعدها عني، لكن جاءت نظرات أمي من بعيد؛ فرضخت ولم أقاوم. إلهي، كانوا يستنجون بمريم عندما يحصل شيءٍ. حتى إذا مشيت متنقلة بين بيوتهم، مرتدية الحجاب عند الخروج من كل بيت، يستغربه الأطفال ولا يتوقفون عن الأسئلة؛ فأصرخ لا شعوريًا:" يا عذراء!" 
إلهي، اعتدت أن أراقبهم من آخر الكنيسة، وجزء مني يريد المشاركة بترنيماتهم، وجزء آخر يمنعني. إلهي، أخذ مني الأمر أربعة عشر عاماً حتى أرفض الجانبين، حتى أترك تناقضاتي التي فرضت علي وأهرب، تاركة كل جانب يخوض في اعتقاده. وها أنا، منفيةٌ. إلهي، أريد أن أدعوك هكذا بطريقتي، بلغتي،  تحت سمائك، وأنا مثقلة بالتيه الذي يحبس أنفاسي ويشردني. 

إلهي، أنجدني؛ فأنا أغرق، وتصعب النجاة بحمل تناقض معتقداتهم بداخلي.“ 
(2016) 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق